أمّا وقد تشكّلت الحكومة، هذه الحكومة، شعرت بغبطة عارمة. ليس لانها جاءت بعد انتظار طويل. لم أكن أصلا من المنتظرين عدا أنه ليس الانتظار الأول ولن يكون الأخير، الانتظارات جزء من هوية البلد السياسية في نسختها الحديثة. ولا علاقة لسرّ سعادتي بوجود أربع نساء في الحكومة العتيدة. لست نسويّة، وتستفزّني البهجة العارمة والاحتفالية المبالغ فيها بوصول المرأة إلى الوزارة وأراها تشبه الاحتفالات الشعبيّة بإجراء عملية الطهور للمولود الذكر ! نقاش طويل لا بدّ أن يبدّد الغوص فيه سعادتي العارمة
شعرت مع تشكيل هذه الحكومة أنني قد أصبح في أيّ لحظة وزيرة، وأنني ربما أبعد عن الفوز بهذا المنصب بضع خطوات فقط. لا حاجة لأن اجتهد في العلم. لا ضرورة لأن تكون حياتي المهنية حافلة بالنجاحات. ليس من قانون يفرض عليّي مراكمة الخبرات. شرط واحد بسيط يقتضي ان أكون ابنة الطائفة البارّة أو أن أكون عضوًا فاعلًا في أحد أحزاب السلطة. والأهم أن أتخلّى عن اسمي وأرضى أن أعرّف بوزيرة هذه الطائفة أو ذاك التيار. بمعنى آخر، أن يسقط اسم الوزير ليصبح التعريف على الشكل التالي : الثقافة لحركة أمل ( بالمناسبة لماذا ارتضت حركة أمل وزارة الثقافة؟ سؤال على الهامش) والمهجّرين للتيار(ما هو سرّ استمرارية هذه الوزارة التي تذكر بضريبة زلزال عام 1955 التي ما زال يدفعها اللبنانيّون! رغم ان المهجّرين إما عادوا وأما ماتوا وإما هاجروا، قد يكون انشاء وزارة للبحث عن المفقودين أكثر إفادة مثلًأ)، والداخلية للمستقبل ،والتنمية الإدارية للقوات، والصحة لحزب الله وهكذا دواليك. صحيح أنها ليست المعايير الوحيدة التي حكمت تشكيل الحكومة ، ولكن المعيار الآخر لا أستطيع تأمينه بسبب المسار التاريخي الذي سلكته حياتي: لست ابنة زعيم سياسي يورّثني الوزارة ولا ابنة قياديّ يرضونه بتوزير ابنه. والدي كان موظفًا ونقابيًا وجلّ ما أورثني اياه كان الكرامة كما ظل يردّد بتفاخر ( لذا، انا عاطلة عن العمل منذ أكثر من عشرات سنوات، ولو لم أكن لبنانية، لاستحقيت الجنسيّة في بلدٍ يرتفع فيه عدد العاطلين عم العمل الذين لا تسقط هذه الصفة عنهم إلّا إذا شاء حظّهم أن يستبدلوها بمهاجر). لذا لم يبق أمامي سوى الخيار الأول لأكون وزيرة : الالتحاق بأيّ من أحزاب السلطة ، لأن حظوظي طائفيًا ومذهبيّا شبه معدومة لأسباب يطول شرحها
قد يستفز هذا التحليل الغيارى على الوطن وسمعته الدولية. وقد يقول قائل أن الوزراء في كلّ دول العالم واعتى الديموقراطيات إنما يمثلون أحزابهم، ولا يُعرفون أصلًا سوى من خلالها، إذن ما الذي يستدعي الاعتراض والانتقاد والأدهى بناء الآمال على تبوء منصب وزير كأن الامر مجرد نزهة من دون زحمة سير
صحيح. ولا ينقص هذا الاعتراض سوى كلمة واحد اسمها البرنامج ! وما دامت ليست هناك برامج يحاسب عليها أي طرف في الحكومة، وما دام التأخير تسعة أشهر لتشكيل حكومة ليس له مبرر بناء على النتيجة التي خرجت بها البلاد بعد انتظار طويل ، ليس ما يمنع أن اتفرغ حاليًا لشراء البزّة التي سأظهر فيها في الصورة التذكاريّة لأعضاء الحكومة بعد أن أعلن استعدادي الوفاء الكامل لأي جهة تبحث عن مناصرين تحوّلهم لممثلين في الحكومة. نحن تحت التصرّف