حين يتأسرل حكّام العالم

حين يضمحلُّ الكلام، يتحوّل الصمت إلى صخرة تجثو على صدرك.


حين يجفّ نبع الدموع، تتحوّل عيناك إلى كتلتيّ جمر.

حين تتحوّل الوحشيّة زاد العالم المتحضّر ووجباته اليوميّة، تصبح مشاهدًا يقتله عجزه فيحتضر أمام الشاشة.

حين تكون مُتفرّجًا وانت صاحب قرار في فتح معبرٍ أو في الحؤول دون إبادة جماعية على مرأى ومسمع العالم أجمع، تصبح سفاحًا بقرار و قاتلًا متسلسلًا بدمٍ بارد.

حين ترى الأطفال يتساقطون كالعصافير وبإمكانك إيقاف المجزرة، المجازر، وجمع المجازر، ولكنّك تحجم عن ذلك، فأنت من فصيلة مصاصي الدماء التي لا ترتوي؛ وقد يرفض مصاصو الدماء في الأرجح أن تُحسب عليهم لأنّ شراهتك تُخيفهم.

حين يمسح نتنايهو وبايدن وملحقاتهما من رؤساء الدول التابعة من فرنسا إلى ألمانيا وبريطانيا أقفيتهم بالمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان، تكتشف متأخرًا سذاجتك وهبلك.

حين تُقصي “أم الديموقراطيّات” وحاملة “مشعل الحريّات” الأصوات المعارضة في الكونغرس، تمتلىء مجاري الصرف الصحّي بأطنانٍ من النظريّات التي استهلكت مئات آلاف الأوراق والمحابر لتدوينها، فيصبح الأمر جريمة بيئيّة بامتياز.

حين تمنع دولة “العدالة والأخوة والمساواة” حقّ التظاهر، وتهدّد المواطنين المشاركين بالسجن والمقيمين بالطرد، لأنّ عدالتها لا تتّسع لحقوق الفلسطينيين، وأخوّتها لا تشمل أطفال غزّة ونساءها ورجالها، ومساواتها لا تتعدّى حدود المقيمين على أرضها (اذا افترضنا أن ثمّة مساواة فعليّة تطبّقها بين مواطنيها)، يصبح الشعار عورة لا تغطّيها ورقة التين.

حين تكتشف مُتأخّرًا أنّ الغرب كذبة، والحضارة نفاق، والحقوق عهر، والقوانين عربدة، ترغب في أن تعتذر من الديكتاتوريات التي انتقدتها وحاربتها واستنفرت كلّ طاقاتك الفكريّة والعقائديّة وسخّرت قلمك لتدعوها إلى التحضّر.

حين تُدين بكلامٍ منمّق وتعلك أسفك المجانيّ، حين تفعل ذلك وأنت في كامل اناقتك وتأنقك، حين تهدّد وتتوعّد ورائحة عطرك تفوح من شاشات التلفزة، فأنت انتهازي وخبيث ومجرم وحقير.

حين يُثبت العرب للمرّة الألف بعد المليون أنّهم متخاذلون وأنّ ما يُفرّقهم أكثر بكثير ممّا يجمعهم، تُدرك أنّ العروبة أصبحت شتيمة وليست هويّة إلّا في خيالك، فتلعن انتماءك إلى هذه الجغرافيا وهذا التاريخ، وتلعن وجودك أصلًا على سطح الكوكب. أما حين يتداعون إلى قمّة عربية بعد مرور ٣٥ يومًا على بدء الحرب الكونيّة على أطفال غزّة وبعد الانتهاء من مهرجان السعوديّة، تكتشف أنّ حتّى البصاق عليهم هدرٌ لا يستحقّونه.

حين يقصف مشفًى ويصمّ العالم آذانه عن أصوات الإغاثة، حينها تدرك أن العالم انتهى إلى غير رجعة ، وأن الإنسانية والحيونة (وفيها من الخصال الحسنة ما لا يتمتع بها حكام هذا العالم ) ليست من صفات سكان هذا الكوكب الذي يحتله مجرمون تحوّلوا إلى وحوش ضارية ترتوي من الدماء والأشلاء والمزيد منها لا يسكت جوعها.
.. حينها وحينها فقط، تدرك أن لحكّام العالم صفة واحدة جامعة لكلّ ما تقدّم: الأسرلة.

أضف تعليق