مات حسّي الوطني…والسلام

asasda

Screenshot_20220915-213111_Facebook تيقّنت قبل أيام قليلة أنّني فاقدة تمامًا للحسّ الوطني، علمًا أنّني لم أكن يومًا من المتطرّفات في وطنيّتهم. لا ينتابني أيّ إحساس حين أرى العلم اللبناني، ولا يقشعر بدني حين أسمع النشيد الوطني، بل لطالما تململت في مكاني وراوغت قبل الوقوف احترامًا، كما يقال كلّما عُزف النشيد في أي حفلٍ أو مناسبةٍ او تكريم ( فعل لم أفقه معناه ومؤداه أصلًا). ومن نافل القول أنّني أكون أوّل الغارقين في كرسيّ قبل أن تتناهى إلى مسمعي آخر كلمات النشيد التي لم أردّدها أو أتمتمها مع جوقة الوطنيّين لا في السرّ، ولا في العلن.
رغم ذلك ، لم أكتشف أنّ حسّي الوطني تلاشى كليًّا إلّا قبل فترةٍ قصيرة. والشكر كلّ الشكر إلى وسائل الإعلام، وكومبارسها، وسائل التواصل الاجتماعيّ الذين حين يبدؤون في تمجيد لبنان واللبنانيين وإنجازاتهم، أشعر بالدوار الذي تحوّل أخيرًا إلى غثيان.
تفاقمت الحالة وانكشف المستور مع #ميّاس التي لا يرمي كلامي إطلاقا إلى النيل من عملها الإبداعيّ أو التقليل من قيمة إنجازها الفني المُبهر. أدهشني العمل بحدّ ذاته من دون أن يكون للأمرعلاقة بلبنانيّة الفرقة، أو بكونها تقدّم هذا العمل «من أجلك يا لبنان». ولو كانت الفرق المُنافسة أفضل في أدائها منها، لتحمّست لها وليس لفرقة ميّاس. سبق أن أحببت أعمالًا كثيرة من مواسم سابقة، شاهدتها عن طريق الصدفة، فأثّرت في أعماقي وأبكتني مثل «بيردي» على سبيل المثال، لا الحصر من دون أن تستوقفني هويّة صاحب العمل الفنيّ  لتزيد من إعجابي به أو تقلّل منه. لا أدري إذا ما كانت تلك خيانة وطنيّة أُحاسَب عليها، أو إذا ما كنت أحتاج إلى جلسات مُكثّفة في العلاج الوطني، وإذا كان الضمان الإجتماعي يغطّي تكاليف هذا العلاج أم لا.

ميّاس جميلة ، ومُبدعة، وتستحق أعلى المراتب عن جدارة ولا علاقة للبنان بالأمر، بل أن الاصرار على إقحام لبنان في كلّ خطوة وكلمة وإشارة أمر مقيت. لن يُعجب التوصيف حماة الأرزة. ولكن في مساحة الحريّة الضيّقة التي أفترض أنّها لا تزال مُتاحة، أقول إنّ هذا الإقحام كان أسوأ ما في المشهد، خصوصًا أنّه اتخذ في المرحلة الأولى لظهور الفرقة منحًى استعطافيًا كانت ميّاس بغنًى عنه. ثمّ استلمت الدفّة وسائل الإعلام وفي مقدّمها الـ «إل.بي.سي» أم الصبي، التي كلّما شاهدت نشرات أخبارهم تساءلت، استطرادًا، إذا ما فاتني تحوّلهم إلى قناة ترفيهيّة.

لم أشعر بفخرٍ وطنيّ في كلّ مراحل تأهّل الفرقة وصولًا حتى التصفيات النهائيّة، وبلوغها المرتبة الأولى. لم أشعر بشيء على الإطلاق. فنظام الخلايا عندي لا يعمل بشكل مجزّأ. خليّة للفخر أمام شاشة التلفزيون، وأخرى للذّل أمام المصرف، وثالثة للقهر حين يرمقني المصعد بنظرة شماتة  ويقول لي« عالدرج…» ورابعة للهرولة خلف الصعود الصاروخيّ للدولار، وخامسة  للموت مع كلّ مريض لا يجد دواءه أو لا يملك ثمنه
أوليس هذا هو وجه  لبنان الحقيقي الذي نسعى لطمسه خلف البرقع الذي ارتدته راقصات ميّاس؟ أقول وأكرّر ليس في هذا الكلام أيّ انتقاصٍ من إبداع فرقة ميّاس، بل على العكس تمامًا، إنّه محاولة لإحقاق الحق. حقّها في النجاح الذي انتزعته ببراعةٍ وإتقانٍ وحرفيّة بعيدًا عن «أرضك يا لبنان» أو بالأحرى«من أجلك يا لبنان». سؤال يطرح نفسه هنا: إذا كان هذا العمل قد قُدّم من أجل لبنان، فهل ستُوظّف جائزة المليون الدولار(صحتين ع قلبهن) في مشاريع للبنان مثلا؟ أم إنّ عبارة من«أجلك يا لبنان» شعار دعائيّ انتهت فعاليّته مع وصول الفرقة إلى مبتغاها في حصد المرتبة الأولى؟

استُنزف نظام الخلايا عندي وأُتلف إلى حدٍّ لم أعد أرى عنده في ميّاس نقطة مضيئة في النفق، نفقنا المظلم. النفق الحالك السواد الذي أضاءت ميّاس نورًا خارجه، وانطلقت نحو العالمية. أمّا نحن الغارقون في مياهنا الآسنة، لم يبقَ لنا سوى أيدينا نلوّح بها نُصفّق، مهلّلين لنجاة من نجح في الخروج من المستنقع، أو مُودّعين «الأدمغة المُهاجرة»، إذ يبدو أنّ لا أدمغة عند من لم يسلُك هذا الدرب. وهل من تفسير آخر لهذا التعبير؟

من أين آتي بالشعور الوطنيّ، هل من يبيع، وبأيّ سعرٍ؟ وعلى أيّ صرف؟ غدًا يأتيك من يقول أو ربّما قالوا وفاتني الأمر لخير جهازي العصبي، إنّ فرقة ميّاس تجسّد الوحدة الوطنيّة لأنّ فيها من كلّ الملل والطوائف والمناطق و…و…و، تمامًا مثلما أمسك اللبنانيّون بأيادي بعضهم بعضًا على طول مساحة الوطن في واحد من مشاهد تتفيه انتفاضة 17 تشرين، ثمّ عادوا إلى بيوتهم  ونصبوا متاريسهم الطائفيّة والمذهبية المقيتة لم يتحرّك شعوري الوطني مع ما أقدمت عليه # سالي_حافظ وسواها من مواطنين مقهورين ومسروقين اقتحموا ّ المصارف لاسترداد حقوقهم. لم اشعر بالفخر ولا هرعت  إلى استبدال الأرزة بصورهم (بالمناسبة، لم يفعل أحد ذلك!!)، علمًا أن ّصورة سالي حافظ تصدّرت الصحف الأجنبيّة، تمامًا مثل فرقة ميّاس. فرحت لهم، فرحت بالثأر وبسياسة العين وبالعين والسنّ بالسنّ والبادي أظلم ودولتي هي الظالمة والجائرة. ولكن حسّي الوطني لم يحرك ساكنًا، أمّا الفخر، فصفة سقطت مع كلّ القيم  الأخرى في وطننا البائس لبنان الحبيب    .

عذرًا، لأنّني فقدت الشعور الوطني ودفنته في أرض الوطن الحبيب لبنان. عذرًا لأنّ عبارة «هيدا هو  لبنان» تستفزّني بقدرٍ أكبر ممّا تستفزّني عبارة «رفع اسم لبنان عاليًا».  أشعر أحيانًا بتسبّب شعبنا العظيم في إحداث ثقب في طبقة الأوزون من شدّة الارتفاع عاليًا حتّى ولو على خازوق. ولمن لا يعرف أو يتجاهل ، يعرف من نرفع أمامهم اسم لبنان عاليًا، عن وطننا أكثر ممّا نعرف نحن عنه أو بالأحرى نعترف به. لذا،  أقتضى التأكيد لأنّ الفخر في عيوننا يتحوّل شفقة في عيونهم. إنّهم يعلمون، فكفى ارتفاعًا وعلياءً لأن الارتطام موجع ومؤلم. ماذا تعني عبارة «هيدا هو لبنان»؟ وماذا عن ذاك الذي نعيش فيه؟ وإذا كان «هيدا هو لبنان»، لماذا تركناه يصل الى الحضيض، نحن الفخورون بلبنانيّتنا وبنقل صورة جميلة عن بلد جعلنا كلّ ما فيه بشعًا. ماذا فعلنا نحن للبنان، سوى تصدير أولادنا للخارج، ماذا فعلنا سوى البحث عن جنسيات ثانية وثالثة ورابعة؟ ماذا فعلنا سوى التغنّي بأمجادٍ غابرة، اخترعناها على الأرجح وصدّقناها. لماذا لم نفعل؟ أو نحن أيضًا «ما خلّونا» فاستسلمنا؟ لن أدخل في الحديث عن معنى الوطنيّة وشكلها وماهيتها، ولا كيف نبني شعورًا وطنيّا وننمّيه، إذ لا بدّ أن يستدرج ذلك خلافًا أكثر تعقيدًا وتشعبًّا، وأعنف من الخلاف على كتاب التاريخ. ولكن أقول: إنني تيّقنت من موت حسّي الوطنيّ الذي كلّما حاولت إعادة احيائه، شعرت بمزيدٍ من الاختناق

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s