بين الانهيار والانفصام يولد لبنان الجديد

201903180159415941

الانهيار والانفصام: خطّان متوازيان أشبه بحبال السيرك ، ننتقل بينهما ، نحن اللبنانيين، برشاقة مشهودة. ليس في التشبيه أي استعارة، ولا هو سجع، كما لا علاقة له بالجناس والطباق، ولا بأيّ من تعريفات اللغة العربية المُلهمة. فالبلد سيرك قائم على الارتجال. ونحن عتاة الارتجال. نضع رجلًا على حبل الانهيار نهارًا، ثمّ ننقلها بخفّة الريشة على حبل الإنفصام ليلًا. لا نرقص مذبوحين من الألم، هذا التشبيه الذي نلجأ اليه لنخفّف من وطأة تبلّدنا. نرقص ونغني ونسكر تمامًا كما يفعل كلّ الذين يغنّون ويرقصون ويسكرون في العالم. ننهار كما يليق بالانهيار أن يكون، ثمّ ننفصم، فيتجلّى انفصامنا بأبهى حلله. الانهيار والانفصام: حالتان قائمتان بذاتهما. نعيشهما بكامل جوارحنا. نتفوّق على أنفسنا، وعلى شركائنا في كوكب الأرض في خوض غمارهما. محترفون نحن.ن

ننهار أمام الغلاء الفاحش وتدهور العملة الوطنية، أمام باب الفرن، في محطة الوقود، في الصيدلية، أمام صندوق المحاسبة في المستشفى. نغيب عن الوعي لدى قراءة الأصفار في فاتورة صاحب الموّلد، ربّنا الأعلى. نستشيط غضبًا كلمّا قرأنا أو سمعنا أو تذكّرنا فجيعة ٤ آب. ننسى لن ننسى. ننهار على عدد الثواني اليوميّة التي تدهسنا بمصائبها المتوالدة من بعضها. نلعن السلطة من رأس الهرم حتى أسفله. نصفّق لكلّ من يتجرأ على مصرف، على زعيم، على رمز من رموز الفساد والقهر والذلّ. نتبارى على صفحات التواصل الاجتماعي في شتم كل من أوصلنا إلى القعر، نُمعن في قدحهم وذمّهم. نشعر بنشوة كلّما حصدنا عددًا أكبر من الإعجابات والقلوب الحمراء، أو حتّى الوجوه الضاحكة، فهذا دليل على ظرافتنا في خضم الانهيار. نشعر أنّنا أدّينا قسطنا للعلى في الاعتراض على الانتهاك الحاصل لحقوقنا، لوجودنا وكينونتنا. ننهي انهيارنا راضين، ثمّ نستعد للانفصام.م
ننفصم بمهارة ورشاقة، منافسين لاعبي  السيرك الأكثر احترافًا. لا نرضى لانفصامنا أن يدل على ضعف أو عجز، فنسميّه إرادة حياة. نخترع مصطلحات تناسبنا أو بالأحرى نعطي لحالنا أوصافًا تجمّلنا. في المناسبة، نعلم أنّ ليس في الانفصام أي إرادة، بل هو أقرب إلى تجاهل للواقع الذي نعيشه من دون الغوص في التعريفات البسيكولوجية لهذه الحالات. نعلم ونتجاهل. أمّا إرادة الحياة في ثقافة الشعوب خارج كوكبنا اللبناني، فهي مواجهة الواقع لا التأقلم معه والإذعان له. نعلم ذلك أيضًا ونتجاهله. وإذا أردنا أن نرتقي بوصف حالنا مدّعين الموضوعية ومستدرجين التعاطف، نقول إنّنا نعيش حالة إنكار، ولإعطاء الحالة بعدها الثقافي، بل الفلسفي والوجودي، نقولها باللغة الأجنبيّة: ” عم نعيش ديناييل”. ل  
ننهار فيسقط لبنان من عليائه حتى سابع أرض، ثم ننفصم فنرفع اسمه عاليا. نحلّق به أعلى من حدود السماوات السبع. نرفع اسمه بأطيب صحن حمص، ثم نرفعه أعلى مع “أهلا بهالطلّة”، فأعلى بانتخاب ملكة الجمال، حدث شكّل غيابه عن لبنان لمدّة عامين متتاليين كارثة الكوارث. نحصد مع الملكة ووصيفاتها مواسم الكرز والتفاح ونصفق للزواج المدني الذي من شأنه ان يعزز الميزانية…ننفصم مع القعدة الحلوة واللقمة الطيبة، ثم ننهار أمام كلفة الانفصام وفاتورة المطاعم التي شاءت هي أيضا أن ترتفع وتحلّق عاليا. ولا يكتمل الانفصام من دون غرس شجرات الأرز التي حوّلت زرقة السماء إلى أخضر نقي. ففي سماواتنا أرز ، الكثير من الأرز، أكثر مما يوجد على الأرض وفي المحميات التي نخرها السوس. في انفصامنا يتوالد رجال الأرز من كلّ فعل يقومون به. لا توجد أحداث عاديّة ورجال عاديّون. في انفصامنا، أو بالأحرى في تاريخنا، فقط أرز، ورجال أرز وأحداث وأفعال يتفوّق فيها اللبناني على الشعوب الأخرى فيحلّق ويعلو أعلى من بطل فليت غريندايزر.ر
مساكين، نحن الشعب اللبناني، ومسكين هو كوكبنا اللبناني. جرّبنا كلّ أنواع الانقسامات والحمدالله. انقسمنا طائفيّا ومذهبيّا ومناطقيّا وعشائريّا وطبقيّا، والآن انقسمنا بل انشطرنا نفسيّا. وبين الانهيار والانفصام يولد لبنان الجديد! د 

فكرة واحدة بشأن "بين الانهيار والانفصام يولد لبنان الجديد"

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s