وفي اليوم التاسع للثورة (وليس الحراك) تحدّث أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عن تأثير الاحتجاج الشعبي على مجمل الوضع الاقتصادي، وطالب المنتفضين بتحديد مطالبهم، وتشكيل وفد باسمهم للتفاوض مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون
وفي اليوم الثامن للثورة طرح رئيس الجمهوريّة ميشال عون السؤال نفسه بشأن مطالب المنتفضين! كما يطرح المسؤولون السؤال نفسه كلّ يوم! كأنّ المواطنين يعيشون في كوكب الأرض وتعيش السلطة في كوب المريخ، وقد هبطت عليهم فجأة لتستفسرعن أسباب الصراخ
في المقابل، ما زال مندوبو بعض المحطّات التلفزيونيّة يصّرون في اليوم الحادي العشر للثورة على طرح السؤال نفسه “ليش أنت هون وشو بدك تقول؟”! بإمكان كلّ من يتساءل عن أهداف الثورة ومطالبها أن يتنقل بين شاشات التلفزة والفضائيات ليكوّن فكرة عمّا يُرديه المنتفضون. إقتراح أوليّ وبديهيّ، علمًا أن الإصرار على هذا السؤال يوحي بوجود نيّة واضحة لدى بعض المحطّات التلفزيونيّة لتحوير أهداف الثورة وحشر أسباب غير تلك المُعلنة بالخط العريض في اللافتات التي رفعت في طول البلاد وعرضها، وفي الحناجر التي صدحت حتّى بحّت: ثورة ضد السلطة الفاسدة
دخلت الثورة أسبوعها الثاني ولم تسقط في كلّ الحفر والأفخاخ التي نُصبت وتنصب لها من مختلف أطراف السلطة المُرتبطة بجهات خارجيّة. الارتباط ليس معلومة جديدة ولا يستدعي دهشة البعض واستنكاره وكأنّهم يسمعون به للمرّة الأولى. جميع من في السلطة مرتبط بجهات خارجيّة. ارتباطات تغطي خارطة واسعة من دول العالم: ايران، السعودية، أميركا، اسرائيل، قطر، سوريا، كوريا الشماليّة. ارتباطات تكاد تجعل من لبنان مكانًا مناسبًا لمركز الأمم المتحدة. فلكلّ دولة مربض لخيلها في هذا البلد الصغير. حقيقة يعرفها القاصي والداني. لذا، ليس مُفاجئَا أن يسعى كلّ متضرّر من الثورة العمل على إفشالها وبث الشائعات لتخويف الناس وتفريقها، أو رفع شعارات وهتافات غير جامعة ومنها على سبيل المثال لا الحصر”إرهابي إرهابي حزب الله إرهابي”، أو طرح التصويت ضد المقاومة من خلال روابط تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن المنتفضين أثبتوا حتّى الآن قدرة على التماسك والحفاظ على الأهداف التي انطلقت من أجلها الثورة ولفظ كل الطفيليين. ليس تفصيلًا أن يكون هناك نحو مليون ونصف مليون مواطن في الساحات اللبنانيّة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب مرورًا بالعاصمة بيروت وصولًا إلى البقاع. ليس كلّ هؤلاء غير مسييسين. ليس صحيحًا أنّ كل هؤلاء لا ينتمون إلى أحزاب أو طوائف أو مذاهب. ليس صحيحًا أن كلّ هؤلاء علمانيين (وإلّا كانت الدنيا بألف خير)، ولكن الصحيح أنّ لدى كلّ هؤلاء مطلبًا واحدًا جامعًا، وكلمة جامع هنا أساسيّة، وهووقف الفساد والهدر ومحاسبة المسؤولين واسترجاع الأموال المنهوبة. لذا، فإنّ إدراج مطالب خارج الأطر التي وحّدت المواطنين ودفعتهم إلى الساحات ليس بريئًا، ولا يمكن وضعه في خانة حرّية التعبير عن الرأي. وإذا كان ثمّة حديث عن مؤامرة ما فهذا صلبها. من هنا، فإن الحديث عن سلاح المقاومة وطرحه ضمن مطالب الثورة هو حديثٌ يهدف إلى شقّ صفوف الثوار واستبعاد فئة كبيرة من المواطنين الذين ما زالوا في بيوتهم رغم رفضهم لسياسة الافقار. لا يعني هذا الكلام، تحييد حزب الله عن أي مساءلة واعتباره فوق الشبهات، فهو شريك في الحكم، والشراكة تعني تحمل المسؤولية كاملة. والساكت عن السرقة لا يقل فسادًا عن السارق نفسه، هذا إذا افترضنا أنّ كلّ نوّاب حزب الله ووزرائه لم يستفيدوا من المال العام أو يشاركوا في صفقات مشبوهة، وهو ما ستظهره المحاسبة. وهذا ما يعنيه شعار “كلن يعني كلن” الذي يحتاج، في المناسبة، إلى استبدال أو تطوير أو تحديث انطلاقًا من أنّ الثورة تحتاج إلى انتاج شعاراتها الجديدة، وعدم استخدام شعارات استُنزفت وشوّهت ولم تؤد أهدافها في السابق. وما يصحّ في حالة حزب الله يصح في حالة التيّار الوطني بمعزل عن كونهما حليفين سياسيين. لم تنفجر الثورة ضد التيّار ولا ضد رئيسه السابق الذي أصبح رئيسا للجمهورية. ردّدت الثورة وتردّد المطالبة بمحاسبة كلّ المسؤولين اعتبارا من العام 1990. ويفترض أن تطال هذه المحاسبة الأحياء منهم والأموات، لتكون سابقة في لبنان. فلنحاسب الذين رحلوا أيضا على ما اقترفوه في البلاد والعباد، فإما أن تثتب براءتهم إلى أبد الأبدين وإما أن يثبت فسادهم وتنتهي كلّ الأساطير في لبنان دفعة واحدة على أمل بناء بلدٍ جديدٍ بكلّ ما تحمل هذه العبارة من عمق ومعنى. صحيح أنّ العهد القويّ ليس الأسوأ مقارنة بعهود ما بعد الطائف. ولكن ما ينكره العونيون أنّ تيّارهم هو الأكثر تبجّحًا وادعاءً بتصويب البلاد واعتماد سياسة الشفافية، وهو ما لم يفعلوه، بل فعلوا العكس تمامًا، وستثبت المحاسبة صحّة هذا الكلام أو تنفيه
إنّها ثورة شعبية، ميزتها أنها من دون قيادات أو رأس محرّك بالإذن من كل من قال عكس ذلك مباشرة مثل السيد نصرالله أو مواربة. وكلّ حديث عن متحدثين باسم الثورة أو دعوة إلى تشكيل لجانٍ، أو أوراق عملٍ، أو تقديم مطالب هو إجهاض للثورة. من يجرؤ اليوم على تبوء منبر والادعاء أنّه يتحدّث باسم الثوّار الذين يقيمون في الشوارع منذ أحد عشرة يومًا؟. إنّها ثورة شعبيّة، لذا وجّه السيد نصرالله إصبعه هذه المرّة إلى الجهة الخطأ وحملّها مسؤولية تعطيل البلاد، بدلًا من أن يفرض على شركائه في السلطة اتخاذ تدابير اجرائية فعلية لتخفيف نقمة الناس عوضًاعن مفاقمتها من خلال خطاب المهانة والتكبّر والاستغباء الذين تناوبوا على تلاوته
يبقى جيل الشباب، الذي ولد بعد انتهاء الحرب، هو المفاجأة الكبرى في الثورة ليس في حضوره الملفت فحسب، بل في المنطق المنفتح الذي يتحدّث به. يرفض هذا الجيل إلغاء الأخر، ويقول: ” تعالوا نتحاور“، وإذا أردنا أن نعبّر عن آرائنا فلنسمح للآخر أن يفعل الشيء نفسه”. يميّز بين الحالات الفردية والتجاوزات التي تشهدها أي ثورة وبين الاختراق المنظم. أما جيل الحرب شاهدًا كان أو مشاركًا أو ضحيّة، فهو أكثر عدائيةً وأقل رحابة صدر. قد لا يُلام على ذلك، والثقة لا تُبنى بين ليلة وضحاها. ولكن، فلنفسح المجال للشباب حيث لا لغة تخوين، والأهم لا توزيع علامات أو تعليق نجوم في سلّم الوطنية