قالت لي صديقتي ساره عمّار، كم أتمنى أن اقرا في زحمة ما يُكتب في مناسبة عيد الأم، عن الاحتفالات التي تجري في المدارس والتي لا تأخذ في عين الاعتبار وجود أولاد فقدوا أمهاتهم: الأيتام. نكتب عن أم الشهيد وأم الفقيد وأم الأسير وأم المقاوم وأم المناضل اللواتي نحترمهنّ جميعًا ونقدّر صبرهنّ ومعاناتهنّ. نكتب عن أمّهاتنا وتضحياتهنّ بعدما ننقي العلاقة من كل شائبة أو عراك أو خلاف أو اختلاف. نكتب ونكتب بفيضٍ من حب وحنان لنحبّر مئات الصفحات التي قد لا نجدها كافية لإيفاء الأم، أيّ أم حقّها. لا انتقاص من قيمة ما قيل ويُقال وسيُقال للأم في عيدها، وإن كانت وسائل التواصل الاجتماعي جعلت الأمر حبّة زيادة وفرّغت المناسبة، كما الحال مع أي مناسبة أو حدث، من معناها لشدةّ ما أشبعتها وصفًا وعواطف جيّاشة. إنه حق التعبير لا اعتراض. و”كلّ مين على صفحتو صيّاح“. ولنا أن نقرأ أو لا نقرأ. ولا بأس، في أي حال، ”راح الكتير وبقي القليل“. اليوم تستقر الورود في الأواني، وتُفتح الهدايا وتُقطّع قوالب الحلوى ويمتلىء الفايسبوك بالصور والأغاني والمعاني ويفترض أن تقفل بعدها صفحة عيد الأم، وغدًا يوم آخر وموضوع جديد ولغو مختلف. وحدهم الأطفال- الأيتام، لن يكون يومهم غدًا آخر. هكذا أخبرتني ساره. قالت لي إن معاناة الأطفال أو الأولاد وحتى من هم في صفوف عليا لا تنتهي مع انتهاء هذا اليوم. ذلك أن حجم الاحتفالات والتهليل الذي يجري في المدارس يُدخل الأيتام في حالٍ من الاكتئاب الشديد يصعب إخراجهم منها بكلمة لطيفة أو بغمرة حنونة. ولن يخفّف من وطأة الغياب القول بـ”أن ماما بالسما“. أظن، ولا أدري لهذا الظن سببًا أو علمًا أن هذا أسوأ ما يُمكن أن يقال لطفل في هذه المناسبة. ماذا يفعل الأيتام في هذا اليوم حين تكون المدرسة عن بكرة أبيها منهمكة في الاحتفال بعيد الأم؟ ما علاقة المدرسة في هذا الموضوع أصلًا. لديها كل الأعياد والمناسبات لتحييها على مدار السنة وتبتكر نشاطات تلهي فيها الطلاب ولا سيما الصغار منهم. ماذا يفعل الأيتام ( ولا علاقة لليتم بالمدرسة الرسميّة أو الخاصة ولا بالفقراء والأغنياء ولا بدين أو طائفة) حين ينهمك الأطفال في رسم قلوب وورود لأمهاتهم في الصف وينسخون عبارات كتبتها المعلمة على اللوح على بطاقة المعايدة التي صنعوها بأياديهم وسط فخر المعلمة وزهوها؟ ماذا يفعلون؟ هل يخرجون إلى الملعب مثلًا كما يحصل في دروس الدين لمن هم من غير طائفة الدين التي يُدرّس؟ هل ينتقلون إلى الإدارة لإنجاز فروض ما؟ هل يرسمون مثلهم مثل باقي الاطفال ويرسلون البطاقات إلى السماء وهم يدركون في قرارة أنفسهم أن هذا لا يكفيهم ولا يرضيهم ولا يرد دمعة تنهمر على خدودهم الطريّة؟
لماذا لا تُمنع التحضيرات لعيد الأم في المدارس؟ ألا يستحق هؤلاء الأيتام هذه اللفتة حتى ولو كان في الصف يتيم واحد؟ وخصوصًا وأن الاحتفال المدرسي يزيد من معاناتهم ولا يخفّف عنهم. تحكي ساره عن معاناة الأطفال خلال اعوام تعليمها الطويلة في هذا اليوم. تحكي عن محاولاتها البائسة بإقناع الإدارة الغاء هذا اليوم من روزنامة المدرسة. تحكي إلى أي مدى باتت تكره عيد الأم، وهي أم. انتقلت إليها كآبة الأيتام، وبات هذا اليوم يومًا حزينًا بالنسبة إليها
لماذا لا يبادر المجتمع المدني النشيط جدًا إلى إثارة هذا الموضوع؟ لماذا لا تبادر الجمعيّات الحقوقيّة وهي إلى تكاثر في البلد إلى تبني هذه القضيّة؟ لماذا نترك الأيتام يشعرون باليتم مضاعفًا في هذا اليوم العالمي. تحيّة إلى كلّ يتيم كبيرا كان أو صغيرا، طفلا أو مراهقا شابا أو إنسانَا ناضجًا. تحيّة له في هذا اليوم الذي يتمنى ألّا يكون فيها سماء تقيم فيها أمه، أو يتمنى أن تهبط عليه السماء فيلتقي أمه ويعطيها بطاقة معايدة رسمها لها في الصف
+