لور ومازن والإدهاش الدائم

ما بين لور غرّيب ومازن كرباج لا يشبه أي علاقة تجمع بين شخصين آخرين، لا بين أم وابنها ولا بين صديقين ولابين فنانين. هما كلّ هذا وأكثر. لذا، لا يأتي عنوان معرضهما الأخير في متحف سرسق”بيني وبينك“ من عبث، بل هو نتاج أربع أيادٍ ترسم وتقول وتعبّر على الورق وبأقلام الحبر الصينيّ التي يستعملها المهندسون عادةً في رسم خرائطهم والأقلام المُلوّنة التي تعيدنا إلى زمن الطفولة والبراءة. لا تقّلل الأدوات التي يستخدمونها في رسمهما من قيمة هذه الأعمال بل تعطيها بعدًا خاصًا ومميزًا لتصبح بمثابة بصمتهما الخاصة. لا يحتاج مازن ولور إلى توقيعٍ أسفل أعمالهما للتعرّف عليها. إذ تلتصق رسوماتهما بهما كما يلتصقان هما بها. إنها تجربة فريدة تشبه بفرادتها العلاقة التي تجمع بين لور الأم الناقدة والشاعرة والرسّامة (88 سنة) ومازن الإبن الموسيقي ورسّام الكوميكس( 44 سنة). يعادل عمر مازن نصف عمر لور، ولعلّ هذا ما جعلهما يلتقيان في منتصف الطريق حيث حمل كلّ واحد منهما تجربته وأفكاره وآراءه  وجسدّها بأسلوبه الخاص على الورق. هما لا يكمّلان بعضهما، ولا يشكّل هذا الأمر هاجسًا لديهما أصلًا، بل يتخاطبان ويتحادّثان ويتحاوران بشتى الأمور التي تخطر في بالهما، وقد يختلفان أيضًا مثل أي فردين آخرين مع فارق وحيد ولكنّه جوهريّ وهو أنهما يفعلان ذلك عبر الرسم. مازن برسوماته الكاريكاتوريّة وأسلوبه التهكميّ ولور بمنمنماتها وخطوطها الدقيقة، يطلقان حوارهما المرسوم الذي يذكّر بسوق عكاظ. أحداهما يفتتح الحوار- الرسم ويأتي الآخر ليكمّله وهكذا دواليك إلى أن يكتمل عملهما الذي ينتهي مع انتهاء الحوار أو اشباع الفكرة قيد النقاش.  ما تزال هذه التجربة التي انطلقت في حرب تموز 2006  مستمرة حتى اليوم حاملةً كلّ عناصر الإدهاش. لذا، لا يمكن لمن يتابع أعمال لور ومازن أن يشعر بالملل أو التكرار. إذ ان أفكارهما في تجدّد دائم يحتاج معها المرء إلى أن يقف مطولًا أمام كلّ عمل لمراقبة التفاصيل وقراءة النصوص التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من العمل. أما أسلوبهما، فقد أصبح فنًا قائمًا بذاته تطوّر وتعمّق مع مرور الأعوام ليفرض نفسه في الساحة الفنيّة

التجربة التي بدأت على دفترين منفصلين كانا يتبادلانهما أثناء حرب تموز 2006 أسست لتجربة الرسم بأربع أياد التي جمعت بين رسم مازن العفوي والسريع ووجوهه الضخمة والكاريكاتورية وبين خطوط لور الدقيقة والمُتقنة. ورغم تطور التجربة التي عرفت محطات  متعدّدة  في معارض حملت أسماء مختلفة منها بورتريه ذاتي تحت عنوان”إنت وأنا حبر وورق“(2008) ثم كتاب”غدًا لن يأتي“ (2014)، فـ ”أبجدية لور غريّب ومازن كرباج“ (2015)، فقد حافظ كلّ واحد منهما على هامشه الخاص ومساحته التي يتميّز بها. قد لا تعرف من بدأ العمل ومن أنهاه، ولكن الأكيد أنه يمكن تمييز خطوط لور عن رسوم مازن من دون أن ينتقص هذا التمييز من جماليّة العمل وانسجامه وانصهار الأيادي الأربعة في اتمامه بشكلٍ فنيّ مثيرٍ للإعجاب والدهشة. لم تنجح المسافات التي فصلت الأم عن ابنها أو لور عن مازن، هو في برلين منذ ثلاثة أعوام وهي ما تزال في بيتها في الأشرفية، في انهاء التجربة  أو الحد من تطورها. ما كان يفعله التاكسي في العام 2006 منتقلًا بين حرج ثابت حيث كان مازن يقيم  والأشرفية حيث تقيم لور لإتمام عملية تبادل دفتريهما، تولته هذه المرّة إحدى شركات البريد السريع تحمل اللفات من بيروت إلى برلين وبالعكس. وجاءت النتيجة لفافة بطول المئة متر تزيّن جدران متحف سرسق بشكل دائري وقد ملأتها الأيادي الأربع بخطوط ورسوم وكلام .وهكذا قهر لور ومازن المسافات وحوّلا مجددًا اللفافات إلى عمل فنيّ يعكس مواقفهما من الأحداث المحيطة إلى الثرثرة والحب والضحك والتأمل. إنها حياة كاملة تجري على الورق لا نراها بالعين فقط بل نقرأها ونعيشها معهما لحظات جميلة وممتعة ومميّزة. إنها تجربة مفتوحة على اللانهاية

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s