فقاعات صابون الزواج المدنيّ

 

p10_20090612_pic1
الصورة من جريدة الأخبار:كريستيان بستاني

 

أمّا وقد عاد الزواج المدنيّ قضيّة مطروحة على بساط البحث في لبنان، فليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل. لا تعدو هذه القضيّة كونها فقّاعة صابون. نلهو بها بفرح الأطفال ثم لا تلبث أن تتلاشى بانتظار أن يأتي من ينفخ في القضية محدثًا فقاعةً جديدة، وهكذا دواليك. لا يحمل هذا الكلام أي تشكيك في نوايا وزيرة الداخليّة ريّا الحسن. لعلّها لم ترض في قرارة نفسها أن يُسجّل عليها وصولها إلى وزارة الداخليّة من دون أن تحرك ساكنًا. إنه موقف مبدئيّ ولو كنت مكانها (افتراضيًا طبعًا) لأثرت الموضوع غير عابئة بموقف رجال الدين الذين لا أعبأ بموقفهم أصلًا، وأنا مواطنة من درجة عادية. وقد يكون في إثارة القضية، وهي ما تزال تتلمس دربها في وزارة الداخليّة نوع من كسب شهرة ما ودعم وتعاطف شعبيين وهو هاجس كلّ من يتبوأ مركزًا مهمًا في الدولة. لقد كانت من دون شك حديث البلد بكل وسائل تواصله الاجتماعي والاعلامي والسياسي والديني. فقاقيع صابون ملوّنة كأننا في مهرجان الربيع في عزّ فصل الشتاء. شتاء القضايا المُعلّقة والمؤجلة وعلك الصوف. لن تنجح ريّا الحسن وزيرة الداخليّة في مسعاها حتى لو وُقّع بدل العريضة ألف عريضة. ليست المشكلة في رجال الدين كما يُصوّر الموضوع. هم مشكلة لا شكّ، ولكنهم ليسوا المشكلة الوحيدة. ولا أظن أنّ رجال الدين في لبنان وفي أكثر دول العالم حضارة سيوافقون من اليوم وحتى يوم القيامة على إقرار الزواج المدني، لأنهم بكل بساطة رجال دين. ولا أخال أن أيّ عاقلٍ ينتظر أن يبارك مفتي الجمهورية ومن يوازيه في الطوائف والمذاهب الأخرى (عملًا بمبدأ 6 و6 مكرّر وحتى لا يُفسّر الكلام وكأنه تصويب على طائفة دون سواها)  خطوة الوزيرة ريّا الحسن وأن يأخذوا معها صورة رسميّة وليست”سلفي“(لأن هذه التصرفات غير لائقة بالمقامات الدينيّة وهي ضد الدين ربما) ويقولوا لها لتكن معركة شريفة ولنشرب نخب المنتصر. مشهد سورياليّ بحجم سورياليّة الآمال المُعلّقة على إقرار الزواج المدنيّ في لبنان

 ليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل وإن كنت أمني النفس أن يأتي يوم يقال لي فيه: لقد خسرت الرهان يا بومة الشؤم

ليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل بأن هذه القضية ستبلغ خواتمها السعيدة في المدى المنظور أو البعيد من دون أن يمنعني ذلك، كمواطنة من درجة عادية، من توقيع  وفعل كلّ ما يساهم في إحقاق الزواج المدني الاختياري. ولا ادري كم عريضة وبيان ومنشور وقعت عليه  حتى الآن.  أما أسباب التشاؤم فلا علاقة لها بسلطة رجال الدين ولا بفساد الدولة ولا بخبث السياسيين الذين يحلّلون ويحرّمون وفق مصالحهم الخاصة، بل هي مرتبطة بالشعب اللبناني العظيم الذي تنخر الطائفيّة عظامه، فإذا به بدل من أن يتقدّم  خطوة في اتجاه نبذ الطائفية تراجع خطوات باتجاه المذهبيّة. أسباب التشاؤم تعود إلى أن ثمّة مواطنين ما زالوا يقولون”الغربية“ للدلالة على منطقة رأس بيروت و”الشرقيّة“ للدلالة على منطقة الأشرفيّة، لأنهم لم ينجحوا في التخلّص من تقسيمات وتعابير فرضتها حرب استمرت خمسة عشر عامًا ومضى على انتهائها زهاء تسعة وعشرين عامًا. أسباب التشاؤم تعود  لأن أي حديث مع أي شخص تتعرف عليه رجلًا كان أو امرأة بمعزل عن الظرف والمكان والمناسبة يبدأ بسلسلة أسئلة ترمي إلى الكشف عن هويتك الدينيّة ما لم يدلّ اسمك على ذلك بوضوح. في ظل هذا الواقع، لا يعود مستغربًا أن نسب المواطنين الذين لا يؤديون الزواج المدني فاقت بثلاثة أضعاف أولئك الذين يؤيدونه وفق ما اشارت إليه إحدى العرائض التي يجري تداولها للتوقيع عليها

بالأمس، وأعني الأمس بالمعنى الحرفي للكلمة، سمعت هذا الحديث بين سيدتين تنتظران الأوتوكار الذي يقل أولادهما من المدرسة

 مبارح في واحد عرض اولادو للبيع على الفايسبوك

تتابع السيدة نفسها: الله يساعد العالم لوين رايحين بهالبلد، فقر وتعتير وقلة اشغال

تقاطعها السيدة الثانية، وقد علت وجهها تكشيرة خلتها في بادئ الامر تعبيرا عن استيائها من الحال الذي بلغته البلاد

بكون عندو شي 10 أولاد ، بكونوا اسلام

لن تكفي كلّ علامات التعجب لتعبّر عن دهشتي، بل صدمتي ممّا سمعت

حادثة أخرى وقعت في الصيف الماضي لا تقل دلالة على واقعنا الطائفي الفريد من نوعه، طبعًا، كنت أنا ضحيتها هذه المرّة. ولم يُجنبني زواجي من مسيحي (على الهوية، كما يحرص أن يوضح ) التعرض لمثل هذا الموقف المُضحك والمستفز في آن:                        تقرع صاحبة الملك، في بيتنا الجبلي، الباب وفي يدها كيس مليء بالشموع، وتطلب مني بكل تهذيب أن أضعها على الشرفات مساءً وتشرح لي الأسباب رغم عدم اعتراضي على الفكرة أو حتى استفساري عن أسبابها

نحن عنا عادة بعيد السيدة من ضوّي شموع

أكدت لها أنني سأضيء هذه الشموع ليلًا حفاظَا على تقاليد القرية، لانني انا الساذجة ظننت أنها قصدت بـ “نحن ” أهل هذه القرية، ولم أكتشف انها تقصد نحن المسيحيين إلا حين خرجت في تلك الليلة تلبية لدعوة العشاء في قرية مجاورة. واكتشفت أن الشرفات في القرى التي اجتزتها وعددها أربعة على الأقل مُضاءة بالشموع. وهنا أيضًا لن تكفي علامات التعجب لتعبّر عن دهشتي مما قالته هذه المرأة. ولكن تبقى الصدمة الكبرى أنني حين رويت هاتين الحادثتين بانفعال واستنكار وعدم تصديق حصلت، رغم الفاصل الزمني بينهما، على رد فعل واحد

 ايه ليه مستغربة، شو وين مفكرة حالك عايشة

لأنني بتت أدرك تمامًا ”وين عايشة“، ولأنني مضطرة أن أشير إلى أن المسلمين لا يقلون طائفية عن المسيحيين وأن الصدفة وحدها شاءت أن تعكس هاتين القصتين التعصب المسيحي من دون أن يعني ذلك ان اقف إلى جانب المسلمين أو اعتبرهم أقل غلواء في تعصبهم، ولأن اللبنانيين يتنشقون الطائفيّة مع كل نفس أرجيلة (تبيّن أنه أكثر انتشارا وفعاليّة من الرضاعة) لكل هذه الأسباب مُجتمعةً ومُتفرقةً، لا شيء يدعو للتفاؤل فيما خص اقرار الزواج المدني في لبنان حتى ولو كان اختياريًا. وأظن أن الأنسب للبنان واللبنانيين منع الزواج بكل أشكاله وألوانه، على أمل أن يساعد ذلك في القضاء على جيل الطائفية والطائفيين! ومن يدري قد يحصل بعد قرن من الزمن أن يلد لبنان جديد من دون طوائف ويحكي أبناؤه الجدد: ”كان يا ما كان بقديم الزمان كان في بلد اسمو لبنان ضربو داء الطائفية وقضى علي عن بكرة ابيه وما بقي حدا يخبر

 

 

 

رأيان حول “فقاعات صابون الزواج المدنيّ”

  1. يا جنى متل هالاخبار عندي الكثير الكثير خاصة وان اسمي لم يكن يحدد انتمائي على الهوية طبعًا لاي طائفة ومذهب!!!
    آخ منا ،من هذا الشعب الذي لا يفهم…..مقطوع الامل عزيزتي مقطوع مقطوع!!!!!!!

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s