أما وقد أنهى معرض الكتاب الدولي في بيروت دورته الـ 62، فإنّ ثمّة تساؤلات تتعلّق في ماهيّة هذا المعرض ووظيفته ودوره والحاجة الفعليّة له في الشكل الذي آل إليه
ليس مؤكدًا أن ما شهده مركز أرينا في الواجهة البحرية على مدى أثني عشر يومًا ( من 6 كانون الأول وحتى 17 منه) هو معرض للكتاب في المعنى التقليدي للكلمة. تغيّر شكل المعرض ووظيفته عامًا بعد عام إلى أن أصبح شيئًا هجينًا لا هوية محدّدة له. تخلّى تدريجيًّا عن دوره، فكاد أن يكون مكانًا عامًا للقاءات عابرة ومتفرقة على خلفية كتب مرصوصة على رفوف تنتظر روّاد القراءة والمطالعة. ولولا حفلات التوقيع التي دخلت في خانة اللياقات الاجتماعيّة لزائري المعرض، وشكّلت مصدر دخلٍ لدور النشر لم يخفّض في كل الأحوال من ”نقهم“ المستمر لتراجع مبيعات الكتب، لاستحق معرض الكتاب صفة الحديقة العامة المُغلقة، أو الكافيتريا بأسعار غير مُخفّضة
لم يعد المعرض حيزًا يُتيح لك التنقّل بين دور النشر المُشاركة فيه لتطّلع على أحدث الإصدارات وأقدمها لأن الممرات الفاصلة بينها تزدحم بأشخاص لا يفعلون شيئًا سوى التواصل الاجتماعي المباشر والتقاط الصور لعرضها على مواقع التواصل الافتراضي. كما لا يُمكنك أن تفلفش صفحات كتاب ما لفت نظرك فتسأل صاحب الدار عنه لأنه قد يكون مشغولًا بأمر خاص أو منصرف إلى التلهي بهاتفه أو قد يقول:”لا رغبة لي في الكلام الآن، لأني تحدّثت كثيرًا خلال النهار
تعود الشكوى من تدهور وضع معرض الكتاب إلى أعوام طويلة، وبدلًا من أن يتحسن الوضع في السنة التي تلي عملًا بمبدأ الاستفادة من الملاحظات أو الانتقادات فهو يزداد سوءًا. والحجة جاهزة دائمًا ومرفقة بأي كلام قد يُساق بحق المعرض: لا أحد يقرأ. وأصبح الحديث عن تصدر كتب الطبخ والأبراج المراتب الأولى في المبيعات ملاحظة باهتة وقديمة لكثرة الملاحظات التي تراكمت على مرّ الأعوام. توحي لك بعض الأجنحة أنك دخلت جامعًا أو حوذة دينية ولا تتذكر أنك في معرض للكتب إلّا حين تقرأ ”حبًّا بالمصطفى حسم 70% على جميع الكتب“. الحسم هو الذي يعيدك الى أجواء المعرض وليست عبارة ”حب المصطفى“. الحديث عن الكتب الدينية في المعرض قد يستفز البعض انطلاقًا من أن الكتب الدينية هي كتب ولها جمهورها ولدور النشرالحق في عرضها في المعرض حتى لو احتلت مساحات واسعة منه عامًا بعد عام. واذا صحّ هذا المنطق فإن الاعتراض على كتب الطبخ والأبراج يصبح باطلًا
واذا اسقطنا هاتين النقطتين من قائمة الملاحظات، فلا يعني هذا أن المعرض أصبح في أحسن أحواله وأن الزحمة فيه دليل على أن وضع الكتاب بألف خير، ذلك أن كل ممرات المعرض تؤدي في نهاية المطاف إلى الكافيتيريا حيث يقف الروّاد في صف طويل تحت غيوم من دخان السجائر بانتظار الحصول على كرسي للجلوس
واذا كان وجود الكتب الدينيّة كما كتب الطبخ والأبراج مبررًا في المعرض فما هو مبرّر وجود
جناح للأشغال اليدوية
توقيع ألبومات غنائية
لعب للأطفال
فرق موسيقية وطبل وزمر
موشحات دينيّة وصوفيّة وروائح بخور؟
ولكن
ماذا لو حلّت الكتب التي تناقش الفكر الديني بدلًا من كتب التعاليم الدينيّة؟
ماذا لو منع ادخال كتب الطبخ والنفخ والأبراج وتعلم اليوغا في خمسة أيام الى المعرض لأنها خارج الموضوع؟
ماذا لو وُضعت الكافيتيريا خارج حرم المعرض واستغلت هذه المساحات لنشاطات فكريّة وثقافيّة متنوّعة؟
ماذا لو استحدث مركز استعلامات يُرشد رواد المعرض إلى دور النشر ويساعدهم في الاستفسار عن بعض العناوين ربما؟
ماذا لو تطورت وظيفة المعرض ليصبح مركزًا لاستقدام دور نشر أجنبيّة وتوقيع عقود ترجمة الأعمال العربيّة كما يحصل في معارض أخرى في العالم ومنها معرض الشارقة على سبيل المثال لا الحصر؟ عندها يجوز القول أن بيروت ما تزال مركزًا ثقافيًا وحاضنًا للكتاب والكتّاب لا أن نفرح ونفتخر بدور لبنان الثقافي رغم كل الويلات المُحيطة به لمجرد أن روائية حشدت صفًا طويلًا للحصول على توقيعها أو أخذ صورة سلفي معها
لم يكن ينقص معرض بيروت في دورته الـ 62 سوى إدخال النراجيل وإجراء سحوبات التومبولا حتى يكتمل مشهد الحديقة العامة! وكل عام وأنتم بخير