أما في الغابة التي نعيش فيها

 

كتبت هذا التحقيق في صحيفة السفير في العام 11/11/1996، أي قبل أسبوعين وإثنين وعشرين عامًا بالتمام والكمال. أدرج هذا التحقيق الذي حمل عنوان ”يقدمون الماء والكهرباء والهاتف المشوّش… وهم باقون ، وزراء الظل لا يخافون منافسة الوزراء“، في خانة تحقيقات  ”الثلّاجة“. ويعني هذا التصنيف الذي يفهمه أهل المهنة تمامًا، أن لا عجلة في نشره. يمكن تأجيله بضعة أيام وربما أسابيع إلى أن تجد إدارة التحرير فراغًا ما في صحيفتها فتملأه بتحقيق من ”الثلّاجة“. كان هذا التصنيف يُزعج المُحقّق ويُشعره أنه أدنى مستوى وأن تحقيقاته التي تصلح لأي زمان هي تحقيقات لا لون لها ولا طعم، علمًا أن مفهوم التحقيق و”الثلاجة“ أمران متناقضان وخصوصًا حين يتعلق الأمر بهموم الناس وهواجسها الحياتيّة والمعيشيّة. المهم، لست هنا في وارد مناقشة مفاهيم المهنة الخاطئ منها والصائب، ولكنها جملة اعتراضية وربما دفاعًا متأخرًا عن قناعة راسخة، أن التحقيق الصحفي الذي يحكي وجع الناس هو أهم من المانشيت السياسيّة، وقد اعتمدت بعض الصحف ومحطات التلفزة هذه السياسة نقلًا عن الإعلام الأجنبي الذي يشّكل هذا المفهوم ركيزة عمله. المهم هنا، أنني بحثت في أرشيفي عن هذا التحقيق الذي ما أزال أذكره جيدًا، وقلت لو أعدت نشره الآن مع تعديلات طفيفة لما اكتشف أحد أنه الأرشيف!  ما زلنا، نحن الشعب اللبناني العنيد، بعد مرور أسبوعين وأثنين وعشرين عامًا نعاني من مشاكل انقطاع التيار الكهربائي والمياه وندفع أغلى فاتورة هاتف. كانت، في حينها، خطوط الهاتف مُشوّشة وتنقطع باستمرار. أما اليوم فقد انتقلت المشاكل إلى الشبكة العنكبوتيّة. ما زلنا، نحن الشعب اللبناني العنيد، بعد مرور أسبوعين وأثنين وعشرين عامًا ندفع فاتورتين واحدة للدولة بدل خدمات لا تقدمها وأخرى لأصحاب الخدمات الخاصة. والأسبوعان هنا أهم من الاعوام اللاحقة، لأن هذه الفترة الزمنيّة القصيرة قياسًا بالردح الزمني الذي تلاها كفيلة بإسقاط حكومات في الدول الأخرى. اما في الغابة التي نعيش فيها، فنحوّل قضايانا إلى طرائف نتلهى بها ونطالب بوزارة لأصحاب  مولدات الكهرباء وأخرى لأصحاب صهاريج المياه

ملاحظة: ليست هناك” تحقيقات ثلّاجة“  مثلما ليست هناك  تعديّات وأعمال بلطجه تستمر أسبوعين وأثنين وعشرين عامًا، بل هناك شعب يظن أنه سيُعمّر، لا قدّر الله لأبد الأبدين، وأن لا شيء يستحق العجلة للإعتراض وتغيير واقع الحال، وخصوصًا أنه منهمك في التنافس على عرض صوره وطرافته المفترضة على وسائل التواصل الاجتماعي

فكرة واحدة بشأن "أما في الغابة التي نعيش فيها"

  1. أخ يا جنى آخ!تنطيقين بلسان كل اصحاب الرأي!للأسف بلادنا لاتبقى على حالها وما حفظ في الارشيف منذ ردح من الزمن يصلح لها في كل حين إنما وبسبب التراجع والتقهقر والتخلف المنقطع النظير بات يحتاج الى تعديل صارخ ليعبر عن الوضع الحالي!
    حبيبتي جنى !

    Liked by 1 person

أضف تعليق