جمهورية كأنّ لعلاء الأسواني، كأنها رواية… غنيّة بأحداثها ومعلوماتها وضعيفة في قالبها الروائي والابداعي

38388790

يُحمّل الروائي علاء الأسواني الشعب المصري فشل الثورة المصريّة في روايته الأخيرة ”جمهورية كأن“ الصادرة عن دارالآداب. يلومه بشدّة على تقاعصه في مساندة شباب الثورة الذين ضحّوا بحياتهم من أجل النهوض بمصر. يسوق بحقه أقسى الاتهامات التي يمهّد لها منذ الصفحات الاولى للرواية الممتدة على مدى 519 صفحة. يتناوب أبطال الرواية على توجيه هذه الاتهامات التي تبدأ على لسان عصام مدير معمل الإسمنت، وهو مناضلٌ سابقًا وفاسدٌ حاليًا ومعادٍ للثورة لأنها تتعارض مع مصالحه، إذ يقول (ص 130):  ”شعبنا لا يثور أبدًا وإذا ثار سرعان ما يتخلّى عن الثورة. شعبنا  ليس مستعدًا لأن يدفع ثمن الحرية“. ثم يكرّر المعنى نفسه في مناسبة أخرى فيقول عصام: ”أيّ شيطان وسوس لبعض المصريّين ودفعهم إلى سلوك منافٍ تمامًا لطبيعتهم؟! المصري لا يعرف الثورة، ولا يفهمها، وإذا تورّط فيها فسرعان ما يخذلها ويكرهها“. ويضيف في مونولوغه الطويل (ص267):”أيها المصريّون، اقرأوا تاريخ بلادكم وتاريخ الثورات في العالم، قبل أن تدفعوا بشبابكم إلى الموت بلا طائل. هناك شعوب طبيعتها ثوريّة، أما أنتم، أيّها المصريّون، فلم تُخلقوا للثورة، ولم تُخلق لكم. في تاريخكم الحديث لم تنجح ثورة واحدة…كلّ تمرُّد قمتم به ضد السلطة، فشل وزادت الأوضاع سوءًا“. ويتحدّث اللواء علواني، وهو رجل مهم في الدولة، بالمنطق نفسه ويخصّ بحديثه المواطن المصري العادي ويتّهمه بأنه ”رجلٌ بسيطٌ في حاله، كلّ مطالبه في الحياة أنّه عاوز يأكل ويربّي عياله ويتفرّج على كرة القدم، ويوم الخميس يدخّن نفس حشيش، أو يشرب بيرة، ويعمل جنس مع مراته“ (ص416). تأتي هذه الاتهامات ضمن سياقها الطبيعي  وخصوصًا أنها صادرة عن أشخاصٍ معادين للثورة علمًا أن عصام ثائر سابق وقد ذاق معنى الإعتقال والتعذيب وموقفه ناتج عن فشله ورفاقه في تحقيق أهداف نضالهم في عصر الرئيس أنور السادات. أمّا أن يأتي هذا الموقف على لسان أسماء المناضلة في ميدان التحرير التي اعتُقلت وعذّبت وانتُهكت، فهذا يحمل معنًى مختلفًا ويعكس موقف الأسواني من الشعب المصري الذي خيّب أمله كما خيّب أمل شباب الثورة. تقول أسماء ما سبق أن قاله عصام، المناضل السابق، ”(…) قمنا بثورة لا يحتاج إليها أحد ولا  يريدها أحد. أعرف أنك ما زلت مؤمنًا بالشعب. أمّا أنا، فلم أعد أؤمن به. هذا الشعب الذي مات أفضل من فينا دفاعًا عن حريته وكرامته، لا يريد حرّية ولا كرامة“( ص 509). تنتهي الرواية على هذا الموقف الذي ينعي الثورة عمليًا من خلال أسماء التي تهاجر الى بريطانيا بحثًا عن مكان يحترمها كإنسان. ورغم أن شريكها في الثورة وحبيبها مازن يرفض أن يحذو حذوها ويُصرّ على البقاء في مصر وهو على يقين أن مصيره سيكون الملاحقة حتى الموت، فهذا لا ينهي الرواية على نافذة أمل أو انتصار للثورة أو لمفهومها  كطريق وحيد لتحرير الشعوب، بل هو تشاؤم يحاول أن يعلّله ويبرّره الأسواني من خلال القول أن الشعب المصري ليس ثائرًا في طبعه. وما يصحّ في مصر يصحّ في سواها من الدول العربية حيث حُرّفت كلّ الثورات عن مسارها الطبيعي وانتهت الى تشتت وتشرذم وفتن حاكتها السلطة السياسيّة لحماية نفسها وانقاد إليها الشعب وصدّق كل الأضاليل كأنه لم يعانِ يومًا من جورها. لا أمل في الثورة في مصر كما لا أمل في العدالة، تلك هي الخلاصة التي يتوصل إليها الأسواني في روايته ”جمهورية كأن“. إذ أن    النقيب هيثم المليجي نال حكم البراءة رغم وجود شهود شهدوا في المحكمة على قتله الطبيب خالد بالرصاص الحيّ في ميدان التحرير، ما اضطر  العم مدني، والد خالد، أن يأخذ حقّه بيده ويثأر لابنه بقتل النقيب، وهو المشهد الذي تقفل عليه الرواية

يحاول الأسواني أن يوثّق بلغة بسيطة تميل إلى العاميّة في معظم حواراتها  لثورة يناير التي أدّت إلى إسقاط نظام حسني مبارك صوريًا وأبقت على كلّ الأجهزة الأمنية والمخابراتيّة التابعة له. لا شكّ أنه نجح في تحقيق غايته تلك وجعل من روايته مرجعًا صالحًا لمن يرغب في القراءةعن تلك المرحلة بكلّ تعقيداتها وخفاياها، علمًا أن الأسواني لم يكشف أسرارًا مُخبأة، ولم يأت بجديدٍ لا يعرفه من تابع الأحداث ورصد التحليلات التي كشفت تورّط الاخوان المسلمين في إضعاف الثورة وعرّت الإعلام الرسمي الذي لفّق الأكاذيب وألّف قصصًا وروايات تنال من صدقيّة المشاركين في اعتصامات ميدان التحرير وتقدّمهم على أنهم قبضوا أموالًا من جهات اسرائيلية لإحداث فوضى في البلاد. ويبدو واضحًا أنّ الأسواني اعتمد على الشق التوثيقي لانجاح روايته وأهمل الجانب الروائي والابداعي الذي بدا ضعيفًا في أكثر من موضع. اختار الأسواني لروايته القوالب الكلاسيكيّة والشخصيات النمطيّة. السيّد الغني أشرف ويصا الذي يعاشر خادمته إكرام التي تسأله عن مستقبل علاقتهما، ثم لا يلبث أن يقع في غرامها. ابن السائق خالد الذي يغرم بابنة اللواء دينة زميلته في كليّة الطب. الزواج العرفي له حصته في الرواية وكذلك التنافس بين مذيعتين احداهما زوجة صاحب المحطة. تنافس يصل حد التعارك في مشهد يبدو لزوم ما لا يلزم في الرواية. وليس هذا المشهد الوحيد الذي يشعر القارئ أنه اقحم في الرواية، بل هناك الكثير من المشاهد والحوارات التي لا وظيفة فعليّة لها ومنها على سبيل المثال لا الحصر الإسهاب في العلاقة الجنسيّة بين نورهان وأزواجها. لقد أفاض الأسواني في الحديث الجنسي الذي لا مبرّر له ولا يضيف أي بعدٍ جديدٍ في رواية تتحدث عن ثورة شباب مصر. والمفارقة أن الأسواني حرص كل الحرص على اعطاء الموضوع الجنسي حيّزه الخاص في الرواية، فاستهل بها أحداث ”جمهورية كأن“ من خلال كتاب يكتبه أشرف ويصا ويقرّر أن يطبعه باسم مستعار ويضم هذا الكتاب فقرات عن العلاقة الجنسيّة بين رجل وامرأة ونصائح حول كيفيّة اصطياد الخادمة. ثم لا نعود نعرف شيئًا عن هذا الكتاب الذي يختفي أثره كليًا في صفحات الرواية التي يزيد عددها على 500 صفحة. وبنفس القدر الذي يحرص فيه الأسواني على اقحام الجنس في روايته، يبدي اهتمامًا في ابراز الجانب التقي والورع لدى المصريين وخصوصًا أولئك الذين يتظاهرون في ميدان التحرير. ورغم أنه ينتقد رجال الدين من خلال الشيخ شامل الذي يحلّل ويحرّم على مزاجه كما ينتقد الذين يستخدمون الدين مظلة لتحقيق غاياتهم ومآربهم مثل نورهان، فإن كلّ أبطال الأسواني يصومون ويصلون، باستثناء عصام الذي يُدمن شرب الويسكي وأشرف ويصا القبطي. ففي كل حوار بين شباب الميدان هناك سؤال حول أداء واجب الصلاة قبل الوصول إلى الميدان. وكأنه بذلك يقول أن المصريين مؤمنون وملتزمون دينيًا وأن الثوار هم كذلك وليس لهم أي هوية خارج الأطار الديني الحنيف حتى ولو شاركهم الأقباط في تحركهم

مصر هي ”جمهورية كأن“ يقول الأسواني على لسان بطلته أسماء، و”جمهورية كأن” تبدو كأنها رواية ولكنها ليست كذلك، بل هي أقرب إلى التوثيق منها الرواية لغة وقالبًا وسردًا

 

رأيان حول “جمهورية كأنّ لعلاء الأسواني، كأنها رواية… غنيّة بأحداثها ومعلوماتها وضعيفة في قالبها الروائي والابداعي”

  1. انتهيت للتو من قراءة رواية “جمهورية كأن “وفيها أرشيف عريض لأحداث ثورة ٢٥ يناير ولما حضّر لبزوغها كما لذيولها ! ولكن الكاتب ،كما قلت٫ لم يعر البنية الروائية الاهتمام الكافي: جاءت الشخصيات مبتورة ما نضجت ووصلت الى خواتيمها، كذلك بعض الأحداث التي مرّ عليها مرور الكرام كما تخلل الرواية استطراد ووصف ممل كانت بغنى عنه!
    أما ما قلته عن ابرازه لتديّن المصريين وممارستهم للطقوس الدينية ، فأعتقد أنه هدف من خلال ذلك الى أن يجعل القار ئ يتساءل عن سبب تمكن الاصوليين من اختراقهم رغم تدينهم.

    Liked by 1 person

    1. الإصرار على إظهار تديّن المشاركين في ميدان التحرير يحمل على ما أظن إجتزاء للحقيقة لأن اطياف أخرى منوعة من المجتمع المصري شاركت في صناعة هذا الحدث وهذا ما عكسته أصلا نتائج الانتخابات الرئاسية التي حصد فيها مرشح الحزب الشيوعي نسبة أصوات كبيرة

      إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s