على قدر ما يبدو قانون الانتخاب معقدًا، مُبهمًا، مُربكًا، وعصيًّا على الفهم والهضم، يبدو المجتمع المدني هجينًا، مشرذمًا، مشتتًا ومضعضعًا. هذان هما العنوانان الجديدان اللذان تحملهما الانتخابات النيابية 2018 بعد غياب استمر تسعة أعوام، وإذا بهما يتنافسان على لقب الأكثر التباسًا وضياعًا وتناقضًا. ولعلّ اليقين الوحيد في هذه الانتخابات والقاسم المشترك الذي يجتمع حوله المرشحون هو الرغبة الجامحة في الوصول إلى الندوة البرلمانيّة. هي معركة وصول أولًا وأخيرًا، وكلّ ما عدا ذلك قابل للمفاوضة والمساومة والتنازل بدليل أن لبنان يشهد خارطة تحالفات غريبة عجيبة لن تقوى ليلى عبد اللطيف على فك طلاسمها حتى لو عاونها في عملها كبار المنجمين من أمثال مايك فغالي وميشال حايك وحتى سمير طنب. ولا يمكن تحييد المجتمع المدني عن السيرك الانتخابي الحاصل كما لا يُمكن تمييزهم عن سائر المكوّنات الأخرى لهذا المشهد السورياليّ بعدما أقحموا أنفسهم وبدوا في انسجامٍ مع من يُفترض أنهم يخوضون معركة ضدهم. والانسجام هنا يطال الأداء الانتخابي بكل مفاصله وتفاصيله
ولكن ما هو أو من هو المجتمع المدنيّ وما هي مكوناته؟ الإجابة عن السؤال ليست بديهيّة على المستوى المحليّ وخصوصًا أن كلّ مرشح يرغب في الإيحاء بأنه غير حزبيّ أو طائفيّ يرتدي عباءة المجتمع المدني. وليس مستبعدًا أن تستعير القوى التقليديّة هذه العباءة لتلمع صورتها، وتعلن انتماءها إلى هذا المجتمع أو تدسّ فيه مرشحين لها. في أي حال، لا يُشكّل الرجوع إلى التعريف العلمي للمجتمع المدني إجابةً شافيةً على السؤال، بل يجعل الأمر أكثر تعقيدًا. يقول التعريف بحسب ”ويكبيديا“ أن المجتمع المدني يشمل ”كلّ الأنشطة التطوعيّة التي تنظمها الجماعة حول مصالح وقيم وأهداف مشتركة. وتشمل هذه الأنشطة المتنوعة تقديم الخدمات، أو دعم التعليم المستقل، أو التأثير على السياسات العامة. ففي إطار هذا النشاط الأخير مثلا، يجوز أن يجتمع مواطنون خارج دائرة العمل الحكومي لنشر المعلومات حول السياسات، أو ممارسة الضغوط بشأنها، أو تعزيزها، معاقبة صانعي السياسات أو مكافأتهم
المواصفات مُطابقة في المبدأ. ذلك أنّ كلّ الجمعيات التي يرتفع عددها في لبنان مع كلّ إشراقة شمس ترفع شعار خدمة المواطن في شتى المجالات. أمّا من يخدم فعلًا ومن يدّعي ذلك، فهذا نقاش طويل قد يحتاج إلى “مجتمع مدني ظل” يُحاسب ويُحاكم المجتمع المدني الرسمي! ولكن السؤال الأهم هو إلى أيّ مدى يُشبه المجتمع المدني المُرشح إلى الإنتخابات النيابيّة ذاك الوارد تعريفه في ”ويكيبيديا“؟ ويستدرج هذا السؤال سؤالًا آخر، ما هي الانجازات التي قدّمتها الفرق المُرشحة إلى الانتخابات، أو ما هي الأهداف التي حقّقتها، أو ما هو الجديد الذي تقدّمه وتدفع الناخب إلى اختيارها على أساسه دون سواها؟ الاعتماد على الشعارات أو المشاريع الانتخابية كلام لا يُعوّل عليه، لأن كل الوعود الانتخابية والخطابات الرنّانة التي تصدع قبل الانتخابات تنتهي صلاحيتها فور نجاح المرشح ووصوله إلى الندوة البرلمانية. إنها مجرد أكسسوار أو بتعبير أوضح إنها ”عدّة النصب
التحرك الوحيد الذي أقدمت عليه فرق المجتمع المدني والتي تشكّلت معظمها على أساسه، كان قضيّة النفايات وانتهى الأمر بأن ”فرط التحرك“ وبقيت النفايات. ويقول أحد الخبثاء والله أعلم، أن بعض قيادات هذا التحرك كانت تصرخ ضد الطبقة الفاسدة وعينها على المجلس النيابي تختار مكتبها المستقبلي فيه! كان من المبكر جدًا أن تقرّر فرق المجتمع المدني خوض الانتخابات النيابيّة بوصفها مجتمعًا مدنيًا. ذلك أن سجل انجازاتها ما زال شبه فارغ، وهذا ما يجعل ترشحها مشابه لمبدأ الترشح الذي تنطلق منه الطبقة التي يدّعون محاربتها، ويطلبون من الناس انتخابهم بديلًا عنها. لا يكفي أن يطرح مرشحو المجتمع المدني أنفسهم بديلًا عن النواب الحاليين حتى يُصبح انتخابهم مُقنعًا. ولا يجوز أن تكون تلك هي الأرضية التي ينطلقون منها وعليها يبنون كلّ آمالهم ببلوغ الندوة البرلمانية. وفي حال فشلوا، يُحمّلون الناخب المسؤولية لأنه أعاد اختيار الطبقة نفسها التي يشكو منها. هي ليست مسؤولية الناخب بقدر ما هي مسؤوليتهم لأنهم في أدائهم وخلافاتهم وتحالفاتهم وحتى مصدر أموال بعضهم، يبدون نسخة مجدّدة عن النواب السابقين. استعجلت فرق المجتمع المدني الوصول إلى الندوة البرلمانية في وقت أن تعريفها يحمل أن تصبر قليلًا وأن تقوم بدورها الذي على أساسه استحقت اسمها وهو ”نشرالمعلومات حول السياسات ، أو ممارسة الضغوط بشأنها، أو تعزيزها (معاقبة صانعي السياسات أو مكافأتهم)“. ولكن الحاصل أن الفرق المنتمية إلى المجتمع المدني رغبت في إحراق المراحل والوصول إلى البرلمان الذي أصبح هو الغاية، وكأن خدمة المجتمع من خارج الندوة البرلمانية لم يعد عصريًا والتغيير من الداخل، أكثر الحجج المستخدمة والخاوية من أي معنى، هو الأساس
ماذا لو قرّر الشعب اللبناني عن بكرة أبيه أن يقاطع الانتخابات؟ ماذا لو بقيت صناديق الاقتراغ فارغة ؟ ماذا لو حصل عصيان مدني قام به المجتمع المدني مثلًا؟ أضغاث أحلام تجعل من يوم السادس من أيار يومًا مثاليًا لشواء اللحم، أو تناول الحشائش للنباتيين على أن يكون العرق بلدي متلت
ملاحظة : من هم حزب 7؟
وسؤال: من سيغطي الانتخابات النيابية بعد أن ترشّح معظم الصحافيين والإعلاميين للانتخابات النيابيّة؟ أم أنه يجوز لهم القيام بدورهم الصحافي الذي لا يتعارض مع ترشحهم اقتداءً بوزير الداخلية نهاد المشنوق المرشح إلى الانتخابات؟
بين قوسين: الصحافي أكثر احترامًا وتأثيرًا ومكانة من النائب. ولبيان حرّر
رأيان حول “السادس من أيّار يومٌ مثاليٌّ لحفل شواء على مساحة الوطن”